responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 298
[سورة قريش (106) : آية 3]
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (3)
اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْعَامَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا: دَفْعُ الضَّرَرِ وَالثَّانِي: جَلْبُ النَّفْعِ وَالْأَوَّلُ أَهَمُّ وَأَقْدَمُ، وَلِذَلِكَ قَالُوا:
دَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ النَّفْسِ وَاجِبٌ أَمَّا جَلْبُ النَّفْعِ [فَإِنَّهُ] غَيْرُ وَاجِبٍ، فَلِهَذَا السَّبَبِ بَيَّنَ تَعَالَى نِعْمَةَ دَفْعِ الضَّرَرِ فِي سُورَةِ الْفِيلِ وَنِعْمَةَ جَلْبِ النَّفْعِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَلَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِنْعَامَ لَا بُدَّ وَأَنْ يُقَابَلَ بِالشُّكْرِ وَالْعُبُودِيَّةِ، لَا جَرَمَ أَتْبَعَ ذِكْرَ النِّعْمَةِ بِطَلَبِ العبودية فقال: لْيَعْبُدُوا
وهاهنا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِبَادَةَ هِيَ التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ لِلْمَعْبُودِ عَلَى غَايَةِ مَا يَكُونُ ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ فَلْيُوَحِّدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَفِظَ الْبَيْتَ دُونَ الْأَوْثَانِ، وَلِأَنَّ التَّوْحِيدَ مِفْتَاحُ الْعِبَادَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ الْعِبَادَاتُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ/ ثُمَّ ذَكَرَ كُلَّ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ الْعِبَادَاتِ، وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُتَنَاوِلٌ لِلْكُلِّ إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ، وَفِي الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ معنى لْيَعْبُدُوا
أَيْ فَلْيَتْرُكُوا رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَلْيَشْتَغِلُوا بِعِبَادَةِ رَبِّ هَذَا الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يُطْعِمُهُمْ مِنْ جُوعٍ وَيُؤَمِّنُهُمْ مِنْ خَوْفٍ، وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ لَفْظِ الرَّبِّ تَقْرِيرٌ لِمَا قَالُوهُ لِأَبْرَهَةَ: إِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَحْفَظُهُ، وَلَمْ يُعَوِّلُوا فِي ذَلِكَ عَلَى الْأَصْنَامِ فَلَزِمَهُمْ لِإِقْرَارِهِمْ أَنْ لَا يَعْبُدُوا سِوَاهُ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَمَّا عَوَّلْتُمْ فِي الْحِفْظِ عَلَيَّ فَاصْرِفُوا الْعِبَادَةَ وَالْخِدْمَةَ إِلَيَّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْإِشَارَةُ إِلَى الْبَيْتِ فِي هَذَا النَّظْمِ تُفِيدُ التَّعْظِيمَ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ تَارَةً أَضَافَ الْعَبْدَ إِلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ: يا عِبادِيَ
[العنكبوت: 56] وَتَارَةً يُضِيفُ نَفْسَهُ إِلَى الْعَبْدِ فَيَقُولُ: وَإِلهُكُمْ [البقرة: 163] كَذَا فِي الْبَيْتِ [تَارَةً] يُضِيفُ نَفْسَهُ إِلَى البيت وهو قوله: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
وَتَارَةً يُضِيفُ الْبَيْتَ إِلَى نفسه فيقول: طَهِّرا بَيْتِيَ [البقرة: 125] .

[سورة قريش (106) : آية 4]
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وفي هذه الْإِطْعَامِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا آمَنَهُمْ بِالْحَرَمِ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ لَهُمْ فِي رِحْلَتَيْهِمْ كان ذلك سبب إطعامهم بعد ما كَانُوا فِيهِ مِنَ الْجُوعِ ثَانِيهَا: قَالَ مُقَاتِلٌ: شَقَّ عَلَيْهِمُ الذَّهَابُ إِلَى الْيَمَنِ وَالشَّامِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ لِطَلَبِ الرِّزْقِ، فَقَذَفَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِ الْحَبَشَةِ أَنْ يَحْمِلُوا الطَّعَامَ فِي السُّفُنِ إِلَى مَكَّةَ فَحَمَلُوهُ، وَجَعَلَ أَهْلُ مَكَّةَ يَخْرُجُونَ إِلَيْهِمْ بِالْإِبِلِ وَالْخَمْرِ، وَيَشْتَرُونَ طَعَامَهُمْ مِنْ جُدَّةَ عَلَى مَسِيرَةِ لَيْلَتَيْنِ وَتَتَابَعَ ذَلِكَ، فَكَفَاهُمُ اللَّهُ مَؤُونَةَ الرِّحْلَتَيْنِ ثَالِثُهَا: قَالَ الْكَلْبِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ مَعْنَاهَا أَنَّهُمْ
لَمَّا كَذَّبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْقَحْطُ وَأَصَابَهُمُ الْجَهْدُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ ادْعُ اللَّهَ فَإِنَّا مُؤْمِنُونَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْصَبَتِ الْبِلَادُ وَأَخْصَبَ أَهْلُ مَكَّةَ بَعْدَ الْقَحْطِ،
فَذَاكَ قَوْلُهُ: أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ثُمَّ فِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: الْعِبَادَةُ إِنَّمَا وَجَبَتْ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَعْطَى أُصُولَ النعم، والإطعام ليس من أصول النعم، فلما عَلَّلَ وُجُوبَ الْعِبَادَةِ بِالْإِطْعَامِ؟ وَالْجَوَابُ: مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ إِنْعَامَهُ عَلَيْهِمْ بِحَبْسِ الْفِيلِ وَإِرْسَالِ الطَّيْرِ وَإِهْلَاكِ الْحَبَشَةِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ تَعَالَى فَعَلَ ذَلِكَ لِإِيلَافِهِمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْعِبَادَةِ، فَكَأَنَّ السَّائِلَ يَقُولُ: لَكِنْ نَحْنُ مُحْتَاجُونَ إِلَى كَسْبِ الطَّعَامِ وَالذَّبِّ عَنِ النَّفْسِ، فَلَوِ اشتغلنا بالعبادة فمن ذا الذي أيطعمنا، فقال: الذي

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 298
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست